مسرحياته الشعرية:
يذكر الأستاذ الدكتور "محمد أحمد
سلامة" في تقدمته لديوان "رجع الصدى" أن
لـ"محمود غنيم" العديد من
المسرحيات الشعرية فيقول: "ومما هو جدير بالذكر أن
الشاعر الراحل "محمود
غنيم" ربما غاب عن كثير من النقاد والأدباء خمس
مسرحيات تسلكه في عداد
الشعراء المسرحيين، تسلكه مع "شوقي"
و"عزيز أباظة"، وقد سألته في لقائي
معه: لماذا لم تمثل مسرحياتك كمسرحيات "شوقي"
و"عزيز أباظة"؟ وكان رده:
أما "شوقي" فقد مثل له بحكم نفوذه، وأما
"عزيز أباظة" فقد مثل له بحكم
نفوذ أسرته، أما أنا فلا قريب ولا رحم"، وأكثر هذه
المسرحيات مستمد من
التاريخ العربي الإسلامي.
نهجه الشعري وآراؤه النقدية:
محمود غنيم في شعره يتبع الخليل في
أوزانه والشعر العربي على مر عصوره في قوافيه وأغراضه مع
تناوله لما جد من
موضوعات عصرية، وهو بذلك ينتمي إلى المدرسة التي أطلق
عليها بعض النقاد
مدرسة المحافظين والتي من زعمائها "البارودي"
و"شوقي" و"حافظ إبراهيم"
وغيرهم من الأعلام، ويرفض الشعر الحر، ويتضح ذلك من
قصيدة له بعنوان: "حديث خرافة" يقول فيها:
حملنا راية الشعر *** مدى حين من الدهر
فرفرف ظلها فوق *** مدار الأنجم الزهر
إلى أن جاء نشء بيـ *** ن مأفون ومغتر
وقالوا شعركم عبد *** دعونا نأت بالحر
فخلينا المجال لهم *** فدسوا الشعر في القبر
وله آراء نقدية تبرز هذا النهج الشعري ذكرها مقدم ديوانه
"رجع الصدى"
مستخلصًا إياها من مقال كتبه "غنيم" في مجلة
الهلال بعنوان "الشعر المنحل
لا الشعر الحر" وأبرز هذه الآراء يتمثل في:
أن النقد لابد وأن ينأى عن الميول والأهواء.
يمجد الشعر الذي يلتزم بالعمود الشعري الذي عرف عن العرب
أصالة وصياغة.
ينكر رأي الذين يعيبون شعر المناسبات؛ لأن كلام الله
تعالى- وهو القرآن الكريم- نزل في مناسبات متعددة.
يرى أن الوضوح لازم في الشعر شأن العرب المطبوعين، وينسج
على منوال "البحتري"، والشعر المعقد ليس إلا صدى لنفوس أصحابه المعقدة.
يستنكر ما يقال إن هذا الغرض قديم، ولا بأس عنده بشعر
المدح والرثاء.
هذه وجهة الشاعر النقدية والتي نراها واضحة في إبداعاته
المختلفة من سهولة
ممتنعة، ووضوح مقبول، ورقة رائقة، وإنشاده العديد من
قصائد المناسبات
وكتابته في الأغراض المختلفة من مدح ورثاء وغير ذلك، أما
رأي الشاعر في
الشعر الحر، فإننا نختلف معه في هذا الرأي.
وعلى كلٍّ فقد كان "محمود غنيم" صوتًا شعريًا
متميزًا في عصرنا الحديث، لم
ينل حظه من الشهرة مثلما نالها الآخرون، ونختم الحديث
عنه بشكواه من الضيم
والإهمال، وانقلاب الموازين لدى الناس في أذواقهم، يقول:
إلى من أشتكي يا رب ضيمي **** أرى نفسي غريبًا بين قومي
لقد هتفوا لـ"محمود شكوكو" **** وما شعروا
بـ"محمود غنيمِ"
(( جبران خليل جبران ))
من أسرة صغيرة فقيرة في بلدة بشري في 6
كانون الثاني 1883. كان والده خليل جبران الزوج الثالث
لوالدته كميلة رحمة
التي كان لها ابن اسمه بطرس من زواج سابق ثم أنجبت جبران
وشقيقتيه مريانا
وسلطانة
.
كان والد جبران راعيا للماشية، ولكنه صرف معظم وقته في
السكر ولم يهتم
بأسرته التي كان على زوجته كميلة، وهي من عائلة محترمة
وذات خلفية دينية،
ان تعتني بها ماديا ومعنويا وعاطفيا. ولذلك لم يرسل
جبران إلى المدرسة، بل
كان يذهب من حين إلى آخر إلى كاهن البلدة الذي سرعان ما
أدرك جديته وذكاءه
فانفق الساعات في تعليمه الأبجدية والقراءة والكتابة مما
فتح أمامه مجال
المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب.
وفي العاشرة من عمره وقع جبران عن إحدى صخور وادي قاديشا
وأصيب بكسر في كتفه اليسرى ، عانى منه طوال حياته.
لم يكف العائلة ما كانت تعانيه من فقر وعدم مبالاة من
الوالد، حتى جاء
الجنود العثمانيون يوم (1890) والقوا اقبض عليه أودعوه
السجن، وباعوا
منزلهم الوحيد، فاضطرت العائلة إلى النزول عند بعض
الأقرباء. ولكن الوالدة
قررت ان الحل الوحيد لمشاكل العائلة هو الهجرة إلى
الولايات المتحدة سعيا
وراء حياة أفضل.
عام 1894 خرج خليل جبران من السجن، وكان محتارا في شأن
الهجرة، ولكن
الوالدة كانت قد حزمت أمرها، فسافرت العائلة تاركة
الوالد وراءها. ووصلوا
إلى نيويورك في 25 حزيران 1895 ومنها انتقلوا إلى مدينة
بوسطن حيث كانت
تسكن اكبر جالية لبنانية في الولايات المتحدة. وبذلك لم
تشعر الوالدة
بالغربة، بل كانت تتكلم اللغة العربية مع جيرانها،
وتقاسمهم عاداتهم
اللبنانية التي احتفظوا بها.
اهتمت الجمعيات الخيرية بإدخال جبران إلى المدرسة، في
حين قضت التقاليد
بأن تبقى شقيقتاه في المنزل، في حين بدأت الوالدة تعمل
كبائعة متجولة في
شوارع بوسطن على غرار الكثيرين من أبناء الجالية. وقد
حصل خطأ في تسجيل
اسم جبران في المدرسة وأعطي اسم والده، وبذلك عرف في
الولايات المتحدة
باسم "خليل جبران". وقد حاول جبران عدة مرات
تصحيح هذا الخطأ فيما بعد إلا
انه فشل.
بدأت أحوال العائلة تتحسن ماديا، وعندما جمعت الأم مبلغا
كافيا من المال
أعطته لابنها بطرس الذي يكبر جبران بست سنوات وفتحت
العائلة محلا تجاريا.
وكان معلمو جبران في ذلك الوقت يكتشفون مواهبه الأصيلة
في الرسم ويعجبون
بها إلى حد ان مدير المدرسة استدعى الرسام الشهير هولاند
داي لإعطاء دروس
خاصة لجبران مما فتح أمامه أبواب المعرفة الفنية وزيارة
المعارض والاختلاط
مع بيئة اجتماعية مختلفة تماما عما عرفه في السابق.
كان لداي فضل اطلاع جبران على الميثولوجيا اليونانية،
الأدب العالمي وفنون
الكتابة المعاصرة والتصوير الفوتوغرافي، ولكنه شدد دائما
على ان جبران يجب
ان يختبر كل تلك الفنون لكي يخلص إلى نهج وأسلوب خاصين
به. وقد ساعده على
بيع بعض إنتاجه من إحدى دور النشر كغلافات للكتب التي
كانت تطبعها. وقد
بدا واضحا انه قد اختط لنفسه أسلوبا وتقنية خاصين به،
وبدأ يحظى بالشهرة
في أوساط بوسطن الأدبية والفنية. ولكن العائلة قررت ان
الشهرة المبكرة
ستعود عليه بالضرر، وانه لا بد ان يعود إلى لبنان
لمتابعة دراسته وخصوصا
من أجل إتقان اللغة العربية.
وصل جبران إلى بيروت عام 1898 وهو يتكلم لغة إنكليزية
ضعيفة، ويكاد ينسى العربية أيضا.
والتحق بمدرسة الحكمة التي كانت تعطي دروسا خاصة في
اللغة العربية. ولكن
المنهج الذي كانت تتبعه لم يعجب جبران فطلب من إدارة
المدرسة ان تعدله
ليتناسب مع حاجاته. وقد لفت ذلك نظر المسؤولين عن
المدرسة، لما فيه من حجة
وبعد نظر وجرأة لم يشهدوها لدى أي تلميذ آخر سابقا. وكان
لجبران ما أراد،
ولم يخيب أمل أساتذته إذ اعجبوا بسرعة تلقيه وثقته بنفسه
وروحه المتمردة
على كل قديم وضعيف وبال.
تعرف جبران على يوسف الحويك واصدرا معا مجلة
"المنارة" وكانا يحررانها
سوية فيما وضع جبران رسومها وحده. وبقيا يعملان معا بها
حتى أنهى جبران
دروسه بتفوق واضح في العربية والفرنسية والشعر (1902).
وقد وصلته أخبار عن
مرض أفراد عائلته، فيما كانت علاقته مع والده تنتقل من
سيء إلى أسوأ فغادر
لبنان عائدا إلى بوسطن، ولكنه لسوء حظه وصل بعد وفاة
شقيقته سلطانة. وخلال
بضعة اشهر كانت أمه تدخل المستشفى لإجراء عملية جراحية
لاستئصال بعض
الخلايا السرطانية. فيما قرر شقيقه بطرس ترك المحل
التجاري والسفر إلى
كوبا. وهكذا كان على جبران ان يهتم بشؤون العائلة
المادية والصحية. ولكن
المآسي تتابعت بأسرع مما يمكن احتماله. فما لبث بطرس ان
عاد من كوبا مصابا
بمرض قاتل وقضى نحبه بعد أيام قليلة (12 آذار 1903) فيما
فشلت العملية
الجراحية التي أجرتها الوالدة في استئصال المرض وقضت
نحبها في 28 حزيران
من السنة نفسها.
إضافة إلى كل ذلك كان جبران يعيش أزمة من نوع آخر، فهو
كان راغبا في إتقان
الكتابة باللغة الإنكليزية، لأنها تفتح أمامه مجالا ارحب
كثيرا من مجرد
الكتابة في جريدة تصدر بالعربية في أميركا ( كالمهاجر9
ولا يقرأها سوى عدد
قليل من الناس. ولكن انكليزيته كانت ضعيفة جدا. ولم يعرف
ماذا يفعل، فكان
يترك البيت ويهيم على وجهه هربا من صورة الموت والعذاب.
وزاد من عذابه ان
الفتاة الجميلة التي كانت تربطه بها صلة عاطفية، وكانا
على وشك الزواج في
ذلك الحين (جوزيفين بيبادي)، عجزت عن مساعدته عمليا، فقد
كانت تكتفي بنقد
كتاباته الإنكليزية ثم تتركه ليحاول إيجاد حل لوحده. في
حين ان صديقه
الآخر الرسام هولاند داي لم يكن قادرا على مساعدته في
المجال الأدبي كما
ساعده في المجال الفني.
وأخيرا قدمته جوزفين إلى امرأة من معارفها اسمها ماري
هاسكل (1904)، فخطّت بذلك صفحات مرحلة جديدة من حياة جبران.
كانت ماري هاسكل امرأة مستقلة في حياتها الشخصية وتكبر
جبران بعشر سنوات،
وقد لعبت دورا هاما في حياته منذ ان التقيا. فقد لاحظت
ان جبران لا يحاول